كانت الذكرى السابعة للرابع من مايو، يوم التفويض الجنوبي للأخ اللواء عيدروس الزبيدي بتشكيل الكيان السياسي الجنوبي، الذي أصبح فيما بعد اسمه "المجلس الانتقالي الجنوبي" كانت مناسبة لاستحضار تلك اللحظات التاريخية الحاسمة، ومناسبة لتقييم المرحلة المنصرمة من عمر المجلس وتجربته وأين نجح وأين أخفق وما هي أسباب النجاح وما هي عوامل الإخفاق.
يمكن للمتابع لما يُكتَب وما يدور من أحاديث وتصريحات ونقاشات ومنشورات ومقالات ومساحات نقاشية على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة يمكنه أن يلاحظ أن المنخرطين في موجة الجدل هذه ليسوا على نفس المستوى من القدرة على التقييم ناهيك عن أنهم ليسوا على نفس المستوى من الموضوعية والإنصاف ولا الموقف من المجلس الانتقالي وتجربته، فهناك المؤيدون للمجلس الانتقالي والمتحيزون إلى مواقفه السياسية وخطواته العملية، ومنهم جزء ليس بالهين من المتعصبين للمجلس إلى درجة إنكار حدوث أي نواقص أو أخطاء في مواقفه وسياساته بل وفي سلوك بعض ممثليه أو المحسوبين عليه، وهناك المتعصبون ضد المجلس الانتقالي إلى درجة التحامل وشطب أي علامة من علامات النجاح واعتبار المجلس فاشل في كل ما أقدم عليه من خطوات أو ما تبناه من مواقف وما مارسه من سياسات، ولن أتحدث عمن يعتبر المجلس الانتقالي صناعة أجنبية ويد مليشياوية لدولة خارجية، وطبعا يقصد هؤلاء دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة التي انتفع من دعمها هؤلاء المتحاملون أكثر مما انتفع المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الجنوبية.
وبين هؤلاء وأولائك هناك المواقف المتوازنة والموضوعية والتي تنطلق في تقييمها لمسيرة المجلس الانتقالي من واقع التعقيدات والملابسات السياسية والتاريخية والتداخلات والتدخلات والمؤثرات الداخلية والخارجية التي تترك بصماتها على الخارطة السياسية اليمنية والجنوبية وبالتالي على مسيرة المجلس الانتقالي نفسه.
ما سأتناوله هنا ليس تقييماً لمسيرة المجلس الانتقالي الجنوبي وتجربته، فهذا يتطلب دراسة مستوفية مبنية على البيانات والأرقام والمعطيات الدقيقة والوثائق الرسمية، بل إنني سأتوقف فقط عند مجموعة من الحقائق المتصلة بهذه المسيرة وأهم هذه الحقائق:
1. إن تشكيل المجلس الانتقالي قد جاء بعد انتصارات ساحقة حققها الجنوبيون في مواجهتهم مع التحالف العفاشي الحوثي، وهو التحالف الذي مثل مجموع القوتين الغازيتين للجنوب في عام 1994م و 2015م، وما يمثله هذا الانتصار من أهمية لدعم وتوطيد مكانة القضية الجنوبية في خارطة الأحداث على الساحتين اليمنية والجنوبية.
2. إن إشهار المجلس الانتقالي جاء في ظروف تاريخية معقدة تداخل فيها الزهو بالانتصار مع الخوف من المكائد، وتداخل فيها تحالف الجنوبيين مع الشرعية، والاستيلاء على سلطات الشرعية من قبل أعداء الجنوب وأعداء والقضية الجنوبية.
3. إن تشكيل المجلس الانتقالي قد جاء بعد ما يمكن تسميته إخفاق القوى السياسية الجنوبية في تشكيل كيان سياسي جنوبي ولو في حده الأدنى للتعبير عن تطلعات الشعب الجنوبي ونضاله المشروع من أجل استعادة دولته المستقلة.
4. إن تشكيل المجلس الانتقالي جاء بلا خلفية أو تجربة سياسية تاريخية، ويمكن القول أن معظم القيادات البارزة في المجلس لا تساوي تجربتها السياسية القليل والقليل من تجربة القوى لمعادية للقضية الجنوبية سواء منها تلك (المؤيدة) للشرعية والتي تحوَّلَ تأييدها هذا إلى اختطاف الشرعية واختطاف الرئيس ذاته مع مؤسسة الرئاسة، أو تلك القوى التي اختارت طريق الانقلاب والحرب على الجنوب وتلقت ما تلقته من هزيمة لم تكن تتوقعها على أيدي المقاومة الجنوبية المدعومة من دول التحالف العربي في إطار عاصفة الحزم، وقرار مجلس الأمن رقم 2216 .
5. لا بد من الاعتراف أن محدودية التجربة السياسية لمؤسسات المجلس والاستغناءَ عن الكفاءات الجنوبية ذات الخبرة العملية والثقافة اسياسية الواسعة ولو في مستواها الأكاديمي (التكنوقراطي) قد تسبب في الكثير من الإرباكات في مسار التجربة السياسية للمجلس الانتقالي،
وكان كاتب السطور قد تناول هذه الإرباكات والتشوشات في العديد من الوقفات سواء من خلال المراسلات الشخصية مع الزملاء في قيادة المجلس، أو من خلال المنشورات على هذه الصفحة وما يتم تداوله بعد ذلك على المواقع الصحفية الإلكترونية والصحف السيارة ومختلف منصات التوصل الاجتماعي.
وسنتوقف في تناولة قادمة عند الآثار السلبية لتلك المؤثرات على مستوى أداء المجدلس وأجهزته المختلفة.. يتبع