سوريا.. الإعلام الخادع المخدوع
سيظل الناس الذين تابعوا أداء الإعلام السوري في الأيام الأخيرة من حكم بيت الأسد، يتذكرون ذلك الصخب الذي كان ضيوف التلفزيون السوري الرسمي يتهجمون عبره على بقية الوسائل الإعلامية التي تحدثت عن سقوط حلب وحمص ودرعا والسويداء والقنيطرة وغيرها من المناطق والمحافظات بأيدي قوات "جبهة فتح الشام"، حينما كان ضيوف ذلك التلفزيون يتحدثون بما يشبه الثقة عن التزييف والفوتوشوب، والذكاء الاصطناعي وغير ذلك ثم فجأة يغبر وجه المذيعة وتتحول نشوتها إلى شحوب حينما كان المخرج يومئ لها بأمر ما فتوقفت المذيعة فجأت ولم تكمل عبارة "يبدو أن. أن أن ..." وانتهى البث، الأمر الذي كان يعني نهاية فصل النفاق في سوريا وإسدال الستار عليه.
كل هذا كوم، والحديث عن الزعيم "الخارق"، "الذكي"، "الاستثنائي"، "الشجاع"، "البطل"، "العبقري"، "حامي حمى سوريا"، "المقاوم للصهيونية والإمبريالية"،.. إلى آخر قاموس المدائح والزائف التي يطلقها إعلام (الزعماء) المصطنعين على (زعمائه) هذا وحدهُ كومٌ آخر.
ما أتعرض له هنا ليس تشفياً أو نكايةً بأحد، لكنه توقف جاد عند الإعلام الخادع المخدوع.
إعلام المدح والتمجيد (لا أفضِّل كلمة التطبيل) لا يخدع الشعب، ولا الأعداء ولا حتى أنصار الزعيم الممدوح، بل يخدع الممدوح نفسه، لأنه يصور له الأمور على عكس حقيقتها، ويضع الصورة الزائفة التي ترضى مزاج الزعيم وتستهوي رغباته وتمنياته، وليس الحقيقة التي قد تغضبه أحيانا.
المدح الزائف يزرع الطمأنينة لدى (الزعيم الممدوح) ويجعله يتصرف تبعاً للصورة الزائفة، وليس تبعا لحقائق الواقع التي لا يراها ولا يسمع عنها بسبب حجب الإعلام الرسمي صورتها البائسة عن الزعيم، فيجعل مواقف وقرارات الزعيم تمضي بالاتجاه الخطأ لأنها مبنية على الغش والزيف، لكن الزعيم لا يكتشف الحقيقة التي غابت عنه أو غُيِّبَت من قبل الإعلام الزائف، لا يكتشفها إلا بعد أن تكون الأوضاع قد خرجت عن سيطرته.
العبرة التي ينبغي أن يتعلمها كل الزعماء والقادة وحتى الإعلاميين هي: "لا تستمع لمادحيك، ولا تثق بما يقوله لك محبوك، الزائفون في الغالب، حتى لو قالوا لك الحقيقة، بل استمع أولاً لما يقوله عنك إعلام أعدائك وتأكد مما صحَّ منه وما بَطُل، ثم انصت إلى ناصحيك وناقدي سياساتك، فأغلبهم قد يكونوا من محبيك والحريصين على نجاحك، وقد يقولون لك أمورا وحقائق قد تغضبك، لكن الحقيقة المرة أفضل وأطهر وأنفع من الكذبة الحلوة التي تبني طمأنينة زائفة تمثل بوابة السير نحو الكارثة للقائد ولمن يقودهم والشعب الذي يتحدث باسمه".
ومن لم يتعظ من التجارب القريبة زمانا ومكاناً فهو لا يعيش الواقع اليومي بل يحلق في عوالم خيالية متتالية عن الحياة ووقائعها لا علاقة لها بحياة الناس وأفراحهم وأتراحهم.