ما نمر به اليوم في الجنوب وعلى مختلف المستويات؛ وعلى تعدد ميادين ومجالات الحياة العامة؛ لأمر يصعب علينا فهمه أو استيعابه بسهولة ويسر؛ ولا نستطيع كذلك توصيفه بدقة وموضوعية وإنصاف الحقائق الماثلة وتجلياتها على سطح المشهد الوطني العام.
فقد تداخلت الأمور ببعضها؛ وبتشابك معقد وصل إلى درجة تكاد تكون عصية على فهم المواطن الجنوبي المطحون بالهموم اليومية ومشكلات الحياة المعيشية القاسية؛ والأمر كذلك هو حال العقل السياسي الجمعي الذي تربكه هذه الأوضاع؛ ويجد صعوبة هو الآخر للغوص في أعماقها والخروج باستنتاجات محددة وخلاصات نهائية ومقنعة.
ويعود ذلك في تقديرنا لعدة أسباب وعوامل مؤثرة وفاعلة في ساحة الجنوب الوطنية والسياسية؛ وصولًا للبنى المجتمعية (المنظمة) والاجتماعية العامة وبتراكيبها المحلية المختلفة؛ ومن بين هذه الأسباب والعوامل التالي:
أولًا - تعرض مجتمعنا وذاتنا الوطنية الجامعة لحالات متعددة من الاختراقات والتدخل السافر والمبطن؛ المباشر وغير المباشر؛ ومن قبل أطراف وجهات متعددة؛ البعض منها أكتسب صفة الوجود (الشرعي) والقبول (الرسمي)؛ والبعض الآخر وجد لنفسه أكثر من طريق لتدخله وتسجيل (حضوره) في المشهد السياسي المضطرب بحكم الظروف القائمة؛ التي تعددت فيها مع الأسف الأطراف والجهات الداخلية (الوطنية)؛ وما تشهده من تباينات واختلافات فيما بينها.
الأمر الذي تم استغلاله ووجد فيه هذا البعض مدخلًا مناسبًا لذلك؛ وجعلوا من المال السياسي الحصان الذي دخلوا به ميدان التنافس والسباق مع غيرهم على ملعب الجنوب المفتوح؛ ولكل منهم أهدافه وغاياته الخاصة؛ وتتعارض مع أهداف ومصالح الجنوب العليا حاضرًا ومستقبلًا.
ثانيًا - تشظي وغياب نظام دولة (الجمهورية اليمنية) والقائمة على اعتراف المجتمع الدولي؛ بصفتها ممثلًا (للشمال والجنوب) حتى الآن؛ وبما يعنيه ذلك من انعدام الحضور الفاعل لبعض مؤسساتها وأجهزتها المختلفة وشلل البعض الآخر.
ناهيكم عن شيوع حالة الفساد المهول وغير المسبوق؛ وتحول معظم الإدارات إلى إقطاعيات خاصة - حزبية وعائلية وشللية - فاضحة؛ مع ما يسود (الشرعية) من حالة عدم الانسجام بل والتناقض في الرؤى والبرامج والأهداف؛ ووجود أطراف في كيان (الشرعية) انحصرت مهمتها في محاربة الجنوب والجنوبيين؛ عوضًا عن التوجه لمحاربة الانقلاب الذي لم يعد في نظرها كذلك؛ وأصبح همها هو منع الجنوبيين من ممارسة حقهم الطبيعي والمشروع في استعادة دولتهم الجنوبية المستقلة.
ثالثًا - عدم مواصلة واستكمال الحوار الوطني الجنوبي وبالسرعة المطلوبة؛ والذي بادر به ودعا إليه المجلس الانتقالي الجنوبي؛ ووصل به إلى محطة تاريخية مهمة؛ تمثلت بانعقاد اللقاء التشاور الوطني العام؛ وإقراره للميثاق الوطني الجنوبي؛ والذي تضمنت مخرجاته على ضرورة مواصلة الحوار وجعله مفتوحًا أمام من لم يحضروا اللقاء التشاوري ولأسباب ومبررات مختلفة.
على أن يضمن لهم ذلك ويمكنهم من طرح رؤاهم وبلورة مواقفهم بوضوح وصراحة وطنية مسؤولة في إطار لقاء تشاوري عام آخر أو بأي صيغة أخرى يتفق عليها؛ وينتصر فيها الجميع لحاضر الجنوب ومستقبله؛ وعلى قاعدة التوافق الوطني؛ وهذا حقهم الأصيل غير القابل للمصادرة أو التهميش؛ واستيعاب ذلك بالضرورة في إطار الميثاق الوطني الجنوبي؛ ليغدو بذلك وثيقة وطنية جامعة؛ مع احترام حق من لا يرغبون بالدخول في الحوار ويحتفظون برؤاهم وقناعتهم الخاصة.