كانت الجنوب تمتلك جيشا مميزا من حيث تخصصاته ومستويات ألويته القتالية، عرف بشدة الانضباط وحصلت كوادره على تأهيلات أكاديمية في حين شكلت الكليات العسكرية رافدا بالدماء الشابة، ما جعله من أقوى جيوش المنطقة، ناهيك عن تسليح نوعي في مختلف الوحدات.
السؤال: لماذا لم يتم استيعاب الكثير من تلك التخصصات في نطاق القوات الجنوبية الجديدة؟
الثابت أن الأمر يرتبط بدرجة أساسية في فكرة الفوضى الخلاقة التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد ثورات الربيع العربي التي جيرت في اتجاه القضاء على القدرات العسكرية العربية، وهذا ما حصل لكل الحكومات التي شكل الربيع العربي طريقا نحو تفكيك قدراتها العسكرية ليتم بعد ذلك بعث الفوضى لديها وتعزيز فكرة عدم استقرارها.
الجيش الجنوبي عموما وقع في أتون الإقصاء بعد العام 1994 وتعزز الأمر بعد ذلك بحكم مستجدات كثيرة على مسرح الحياة، وكان الجنوب ومازال في حال اللا دولة تتقاذف مصيره دول كثيرة ترى مصالحها أنه لن يتحقق بأمر استعادة دولته، فكان البناء لديهم أقصر على ما شكلت الوحدة الارتجالية من كارثة مدمرة أتت على كل تاريخ الجنوب.
اللافت أن معاناة الجيش الجنوبي ظلت على قدر من التعاظم بحكم غياب مؤسسات الدولة.. يأتي ذلك في نطاق حسابات سياسية مختلفة لا تريد لهذا الجيش بكل قدراته أن يستعيد ماضيه أو يكون على الأقل جزءًا من الحاضر الذي تشكل بصورة عجيبة مستثنيا كل تلك التخصصات، وما الحديث عن فكرة الأخذ بقدرات الشباب إلا مدخل للعزل والإقصاء رغم يقينهم بأن إشراك تلك القدرات تشكل رافدا يرفع من مستويات الأداء مع الأخذ بقدرات الشباب المؤهل.
إذا ما أخذنا بطبيعة المعالجات فإنها بمجموعها ليست فعلية ولم يكن هدفها إحياء ما يمكن من كفاءات مازال أصحابها في سن العطاء.
تلك هي مأساة مؤسستنا العسكرية العتيدة، بل مأساة شعبنا الذي انتزعت منه صفة الدولة ليقع بعد ذلك في مسار التآمرات المختلفة بما في ذلك فكرة الفوضى الخلاقة التي لها ما بعدها.